عدنان بن عبد الله القطان

11 رجب 1444 هـ – 2 فبراير 2023 م

——————————————————————————

 

الحمد لله الذي عمَّت رحمته كلَّ شيء ووسِعت، وتمَّت نعمته على العباد وعظُمت، نحمده على نعمٍ توالت علينا واتَّسعت، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريكَ له شهادةً تنجي قائلها يوم تذهَل كلُّ مرضعة عمَّا أرضعَت، ونشهد أنّ نبينا محمّداً عبده ورسوله، جاهد في الله حقَّ جهاده حتى علت كلمة التوحيد وارتفعت، صلّى الله وسلّم وبارك عليه وعلى آله وأزواجه وأصحابه والتابعين لهم بإحسان.

أما بعد: فيا عباد الله اتَّقوا الله تعالى واشكروه على نعمة الصحة والعافية، فكم من نعمة لو أعطيها العبد كانت داؤه، وكم من محروم من نعمةٍ حرمانُه شفاؤه، (وَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تُحِبُّواْ شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ)..

معاشر المسلمين: إن لله سبحانه وتعالى أسماء حسنى وصفات علا؛ أمر سبحانه أن ندعوه بها وأن نتدبر معانيها، قال تعالى: (وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) وقال صلى الله عليه وسلم: (إِنَّ لِلَّهِ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ اسْماً مِئَةً إِلَّا وَاحِداً، مَنْ أَحْصَاهَا دَخَلَ الْجَنَّةَ) وإن من أسماء الله الحسنى التي وردت في كتاب الله تعالى وفي سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم (الشافي) والشفاء يشمل شفاء الأبدان من الأمراض والأسقام، وشفاء الصدور من الشبه والشهوات، قال تعالى على لسان إبراهيم عليه السلام : (وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ) وقال جل وعلا: (وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ) وقال سبحانه: (قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ)

عباد الله: إن الإيمان باسم الله الشافي يُثمر للعبد آثاراً حميدة جليلة، فمن آثار الإيمان بهذا الاسم الجليل: أن الله تعالى هو الشافي، ولا شافي إلا الله، ولا شفاء إلا شفاؤه، ولا يرفع المرض إلا الله ، قال تعالى: ( وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) وسواء كان المرض مرضاً بدنياً أو نفسياً، ذلك أن المرض عباد الله نوعان: مرضُ القلوب ومرض الأبدان، فأما الأول: مرض القلوب بالشهوات أو بالشُبُهَات، فهو أخطر الأمراض وأشدها إهلاكاً لصاحبها، لأن خطره على الدين، ولأن الناس لا يشعرون به، ومن ثَّم لا يسعون لعلاجه.

 وأما النوع الثاني: فهو مرض الأبدان، وهو المرض العضوي، وهذا أهون من الذي قبله، لأن كل أحد يشعر به ويسعى لعلاجه، وصاحبه مأجور إن صبر واحتسب… ومن آثار الإيمان بهذا الاسم الجليل: أن الله تعالى هو الشافي، لم ينزل داءً إلا وأنزل له شفاء وله أسباب، صح في الحديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (ما أنزل اللهُ داءً إلا وأنزل له شفاء). وهذا من عظيم رحمة الله الشافي، أنه خلق الداء وخلق له الدواء، وهذا من كمال حكمة الرب جل وعلا، وتمام ربوبيته، فكما ابتلى عباده بالأدواء والأمراض أعانهم عليها بما يسر لهم من سبل الاستشفاء؛ فاطمئن أخي المريض ولا تيأس، فإن مرضك لابد له من شفاء، فإنه (ما أنزل الله دَاءً إلا أنزل له شفاءً).

فينبغي على المسلم أن يتداوى ويطلب العلاج من الأمراض والأوبئة، ويراجع المستشفيات والمراكز الطبية والصحية لتشخيص مرضه، والاستعانة بالعلاج والأدوية التي يوصي بها ويصفها الأطباء للمريض؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (لكل داءٍ دواءٌ، فإذا أُصيبَ دواءُ الداءِ برَأَ بإذن الله عز وجل) وقد كان يَظنُ كثيرٌ من الناس أن بعض الأمراض ليس له دواء، كالأمراض الخطيرة، وعندما ارتقى علم الطب، ووصل الناس إلى ما وصلوا إليه من علمه، عرف الناس مصداق قوله صلى الله عليه وسلم : (تَداوَوْا؛ فإن الله عز وجل لم يضع داءً إلا وضع له دواءً غير داءٍ واحدٍ: الهَرَمُ).  يعني الكِبَرَ في السِّنِّ والشَّيخوخةِ وبعده الموت

عباد الله: وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يدعو ربه بالشفاء، لأنه هو الذي يملك الشفاء والشفاء بيده تبارك وتعالى، قال صلى الله عليه وسلم لسعد بن أبي وقاص لما زاره في مرضه: (اللهم اشف سعداً، اللهم اشف سعداً، اللهم اشف سعداً) وكان النبي صلى الله عليه وسلم إذا عاد مريضاً (أي زاره) يمسح عليه بيده اليمنى ويقول: أذْهِب البَأسَ، اشْفِ أنْتَ الشَّافِي لاَ شِفَاءَ إِلاَّ شِفاؤكَ، شِفَاءً لاَ يُغَادِرُ سَقماً) وفي هذا الحديث طلب الشفاء من جميع الأمراض، وليس من ذاك المرض الذي أصيب به المريض، فالله عز وجل يشفي من أمراض القلوب كالغل، والحسد، والبغضاء والشهوات، ويشفي من جميع أمراض الأبدان ولا يدعى بهذا الاسم سواه جل وعلا. وصح في الحديث عن أنس بن مالك رضي الله عنه أنه قال لبعض أصحابه: (أَلاَ أَرْقِيكَ بِرُقْيَةِ رَسُولِ اللَّهِ صلي الله عليه وسلم قَالَ بَلَى، قَالَ اللَّهُمَّ رَبَّ النَّاسِ، مُذْهِبَ الْبَاسِ، اشْفِ أَنْتَ الشَّافِي لاَ شَافِي إِلاَّ أَنْتَ، شِفَاءً لاَ يُغَادِرُ سَقَماً)

قال ابن جرير الطبري رحمه الله في قول إبراهيم عليه السلام: (وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ) يعني وإذا سقم جسدي واعتلّ، فهو سبحانه يبرؤه ويعافيه. وقال بعض المفسرين: الشافي الذي يشفي الصدور من الشُبَه والشكوك ومن الحسد والغلول ويشفي الأبدان من الأمراض والآفات لا يقدر على ذلك غيره. إذاً دلالة اسم الله (الشافي) تدل على شفاء الأجسام من العلل والأمراض والأسقام وشفاء القلوب والعقول من أمراض الشبهات، والشهوات، والأحزان، والمكدرات.

أيها المؤمنون: الله سبحانه هو الشافي، جعل الشفاء من أمراض القلوب وأمراض الأجسام في أسباب ينبغي للمسلم أن يعمل بها ويبحث عنها على قدر طاقته وجهده مع اعتقاده الجازم بأن كل شيء بإرادة الله ومشيئته: فأما أسباب شفاء أمراض القلوب فقد قال العلامة أبن القيم رحمه الله في الطب النبوي: فَأَمّا طِبّ الْقُلُوبِ فَمُسَلّمٌ إلَى الرّسُلِ صَلَوَاتُ اللّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِمْ وَلَا سَبِيلَ إلَى حُصُولِهِ إلّا مِنْ جِهَتِهِمْ وَعَلَى أَيْدِيهِمْ فَإِنّ صَلَاحَ الْقُلُوبِ أَنْ تَكُونَ عَارِفَةً بِرَبّهَا وَفَاطِرِهَا وَبِأَسْمَائِهِ وَصِفَاتِهِ وَأَفْعَالِهِ وَأَحْكَامِهِ وَأَنْ تَكُونَ مُؤْثِرَةً لِمَرْضَاتِهِ وَمُحَابّهِ مُتَجَنّبَةً لِمَنَاهِيهِ وَمَسَاخِطِهِ وَلَا صِحّةَ لَهَا وَلَا حَيَاةَ الْبَتّةَ إلّا بِذَلِكَ وَلَا سَبِيلَ إلَى تَلَقّيهِ إلّا مِنْ جِهَةِ الرّسُلِ عليه السلام …) انتهى كلامه.

قال تعالى: (وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلَا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَاراً) وقال تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدىً وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ) والموعظة: هي ما جاء في القرآن الكريم من الزواجر عن الفواحش والإنذار عن الأعمال الموجبة لسخط الله عز وجل المقتضية لعقابه ، والموعظة هي الأمر والنهي بأسلوب الترغيب والترهيب، وفي هذا القرآن الكريم شفاء لما في الصدور من أمراض الشبه، والشكوك، والشهوات، وإزالة ما فيها من رجس ودنس.

أيها الأخوة والأخوات في الله: إننا في هذه الأزمنة التي تعلّقت قلوب كثيرٍ منّا بالمحسوسات والمشاهدات: لترى إعراضَ كثير من الناس عن الأدوية الشرعية، وضعف يقينهم بنفعها، أو الغفلة عنها، حتى عدلت القلوب عنها، وركنت إلى أدوية أخرى بعيدة، مع قرب هذه الأدوية الربانية النبوية منهم، وعظيم نفعها. ففي ديننا أدويةٌ يقينية إلهية صادرة عن الوحي ومشكاة النبوة، فالرقية الشرعية بالقرآن الكريم قال تعالى: (وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ)  وما جاء في السُنة النبوية أنفع الأسباب لزوال العلل والأمراض والأسقام، والقرآن هو الشفاء التام من جميع الأدواء القلبية والبدنية،  والأولى بالعبد أن يعالج نفسه بنفسه وأن يعالج أهله أيضاً، فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يزور المرضى، ويدعو لهم، ويرقيهم بكتاب الله عز وجل كما كان يرقي من أشتكى من أهله وغيرهم ويرقي نفسه بالقرآن كما في الحديث الصحيح عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها: أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم كانَ يَنْفِثُ علَى نَفْسِهِ في مَرَضِهِ الذي قُبِضَ فيه بالمُعَوِّذَاتِ، فَلَمَّا ثَقُلَ كُنْتُ أنَا أنْفِثُ عليه بهِنَّ، فأمْسَحُ بيَدِ نَفْسِهِ لِبَرَكَتِهَا)

والمُعوِّذاتُ هي سُورةُ الفلَقِ وسُورةُ النَّاسِ وسورة الإخلاص، وجُمِعَت باعتبارِ أنَّ ما يُستعاذُ منه فيها كثيرٌ. ورَقى بهنَّ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم نفْسَه؛ لأنهنَّ جامِعاتٌ للاستِعاذةِ مِن كلِّ المكروهاتِ جُملةً وتَفصيلاً؛ فأيقنوا عباد الله بالشفاء من الله تفلحوا، بل إن من الأمراض ما لا شفاء له إلا بالقرآن والأدعية النبوية كإبطال السحر وإخراج الجان وإبطال أثر العين وتلك الأدوية النبوية الشافية إنما ينتفع بها من تلقاها بالقبول، واعتقد وصدق الشفاء بها، ومتى تخلّف الشفاء كان لضعف تأثير القارئ، أو لعدم قبول المرقي عليه، أو لمانع قوي فيه يمنع أثر الشفاء.

أيها الأخوة والأخوات في الله: وتمر عجوة المدينة وقاية من السُم والسحر، يقول عليه الصلاة والسلام: (مَن تَصَبَّحَ كل يوم بسَبْعِ تَمَراتٍ عَجْوَةً، لَمْ يَضُرَّهُ ذلكَ اليومَ سُمٌّ، ولا سِحْرٌ). والصحيح أن ذلك يكون بأي نوع من أنواع التمر، كما رجحه بعض أهل العلم. والماء دواء للحمى، ففي الحديث: يقول صلى الله عليه وسلم: (الْحُمَّى مِن فَيْحِ جَهَنَّمَ، فابْرُدُوها بالماءِ)… والعسل لم يُخلق لنا شيء في معناه أفضل منه ولا مثله ولا قريباً منه.. قال تعالى: (وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتاً وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ * ثُمَّ كُلِي مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ فَاسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلًا يَخْرُجُ مِنْ بُطُونِهَا شَرَابٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ فِيهِ شِفَاءٌ لِلنَّاسِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ)

والحجامة خيرُ الأدوية، يقول عليه الصلاة والسلام: (إنَّ أفضلَ ما تداويتُم به الحجامةُ) والحبة السوداء شفاء من الأسقام كلها، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إنَّ هذِه الحَبَّةَ السَّوْدَاءَ شِفَاءٌ مِن كُلِّ دَاءٍ، إلَّا مِنَ السَّامِ) أي الموت، وفي العود الهندي قال صلى الله عليه وسلم: علَيْكُم بهذا العُودِ الهِنْدِيِّ، فإنَّ فيه سَبْعَةَ أشْفِيَةٍ) والعُود الهِندي هو ما يُعرف بعود القسط البحري.

وعند المسلمين ماء مبارك هو سيد المياه وأشرفها وأجلها قدراً، ينبع من أرض مباركة في بيت الله الحرام، ماء زمزم هو طعام طُعم وشفاء سُقم، وقال عليه الصلاة والسلام: (مَاءُ زَمْزَمَ لِمَا شُرِبَ له) والإكثار من الصدقة من خير الأدوية، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (داووا مرضاكم بالصدقة)

عباد الله: هذه الأصول التي ذكرناها يحتاج إليها كل أحد والله، وحده الموفق ،والشافي والكافي.

نسأل الله العظيم، رب العرش العظيم، أن يشفي ويعافي مرضى المسلمين والمسلمات إنه على كل شيء قدير وبالإجابة جدير.

نفعني الله وإيّاكم بالقرآن العظيم، وبهديِ سيد المرسلين، أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيمَ الجليل لي ولكم ولسائرِ المسلمين من كلّ ذنبٍ فاستغفروه، إنّه هو الغفور الرحيم.

 

 

الخطبة الثانية

الحمد لله الذي خلق فسوى وقدّر فهدى، وشفى وعافى وأسعد وأشقى، وأضل بحكمته وهدى، ومنع وأعطى، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له العلي الأعلى، ونشهد أن نبينا محمداً عبده ورسوله النبي المصطفى والرسول المجتبى، صلى الله وسلم عليه وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهديه إلى يوم الدين.

أما بعد فيا أيها المسلمون: أخي المريض، أختي المريضة، لا تيأسا من رحمة الله ومن العلاج والشفاء، فإن يأسكما من سوء الظن بالله، وهو عليكما حرام بنص قول الله تعالى: (وَلَا تَيْأَسُوا مِن رَّوْحِ اللَّهِ ۖ إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ) وقوله سبحانه: (لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ) فاليأس من تسويل الشيطان، فهو من أحد أسلحته التي يستعملها لإبعاد العباد عن الله، والتفريق بين المؤمن وربه، وهذا السلاح سلاحه مع عموم أهل البلاء؛ فكيف بالمريض الذي طال به البلاء، واستطال عليه الداء، فلا شك أن الشيطان ينتهز فرصة ضعفه وضيقه، وعسره لينفث في قلبه اليأس ويقتل في نفسه الأمل في الله عز وجل. تذكروا رحمكم الله أن الله لا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء، وأنه القادر على كل شيء، (إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) فكم من مريض يئس الأطباء من دوائه، وقنطوا من شفائه، فتضرع إلى الله واستمطر رحمته، وألح عليه في الدعاء بالشفاء، (وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ) فاستجاب الله له الدعاء، وكشف البلاء، حتى حار في أمره الأطباء، وذهلوا وعلموا أن الشفاء بيد خالق الشفاء.

فكم من مريض ابتلي بالسرطان وهو أخطر الأمراض وأعصاها، فيئس منه الأطباء، وأخبروه باستحالة الشفاء، فلما لجأ إلى الله كشف كربه، وأظهر في شفائه عجائب قدرته، والقصص في هذا الباب كثيرة لا تحصى.

 احذر أيها المريض أن تيأس من رحمة الله، فإن يأسك جهل بالله لما ينطوي عليه من تجاهل لقدرته واستكبار على الاستعانة بعظمته فالله أعظم من أن يعجزه شفاؤك، وأرحم من أن يرد دعاؤك، فإن تمادى بك المرض، ودعوت فتأخرت الإجابة فلا تيأس من ربك، ولا تستعجل الإجابة، فقد يكون تأخيرها رحمة بك، وقد يكون اختباراً لإيمانك ويقينك! فتضرع إلى الله بثقة وعزم، ونية وإخلاص، فإنه سبحانه أقرب إليك من حبل الوريد، وهو نعم المداوي ونعم الطبيب.

أخي المريض: فها قد علمت أن مرضك، مهما كان سببه، ومهما عظم خطبه، هو رحمة من الله، يغفر به ذنبك، وتمحى به سيئاتك، وترفع به درجاتك، كما قال صلى الله عليه وسلم: ما مِن مُسْلِمٍ يُصِيبُهُ أذًى؛ مَرَضٌ فَما سِواهُ، (إلَّا حَطَّ اللَّهُ له سَيِّئاتِهِ، كما تَحُطُّ الشَّجَرَةُ ورَقَها)

فتذكر أنه نعمة باعتبار ثماره، وإن كان ظاهره نقمة باعتبار أضراره! وتذكر أيضاً أنه مهما طال فهو في النهاية إلى زوال، وأن خيره وفضله وثوابه جزيل في المآل!

فاحذر أن تفوت على نفسك فرصة قطف ثماره واحذر من الجزع على أضراره، فإنه نقمة في طياتها نعمة، وبلية في طياتها مزية، ومحنة في طياتها منحة، فاكسبها إذن بحسن الصبر وأدب الرضا، والاستسلام لحكم الله وقضائه، بل من عمق فقهك وجميل فهمك أن تشكر الله جل وعلا وتحمده على كل حال، لأنه سبحانه أصاب منك، وهو سبحانه إذا أصاب عبده بشيء فإنما أراد به خيراً، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (مَنْ يُرِدِ اللَّهُ بِهِ خَيْراً يُصِبْ مِنْهُ) وهذا الفقه أعمله السلف الصالح في حياتهم، فكانوا يفرحون بالمرض والبلاء كما يفرحون بالنعمة والرخاء. قال صلى الله عليه وسلم: (يودُّ أَهلُ العافيةِ يومَ القيامةِ حينَ يعطى أَهلُ البلاءِ الثَّوابَ لو أنَّ جلودَهم كانت قُرِضَت في الدُّنيا بالمقاريضِ

نسألُ اللهَ العظيمَ ربَّ العرشِ العظيمِ أن تشفي كل مريض ومريضة وتلبسهما ثوب الصحّة والعافية عاجلاً غير آجلٍ يا أرحم الرّاحمين.

اللهم اشفنا واشف مرضانا ومرضى المسلمين الذين أعجزتهم الأمراض والأسقام، وأقعدهم قضاؤك عن المشي والقيام، هبهم يا ربنا الصحة والعافية، والشفاء العاجل الذي لا يغادر سقماً، فإنه لا شفاء إلا شفاؤك، لا إله إلا أنت ولي المؤمنين، وعدة الصابرين، يا أرحم الراحمين.

اللهم إنا نسألُكَ نَفْساً مطمئنةً، تُؤْمِنُ بلِقائِكَ، وتَرْضَى بقضائِكَ، وتَقْنَعُ بعَطائِكَ.

اللَّهُمَّ إنِّا نعُوذُ بكَ مِن زَوَالِ نِعْمَتِكَ، وَتَحَوُّلِ عَافِيَتِكَ، وَفُجَاءَةِ نِقْمَتِكَ، وَجَمِيعِ سَخَطِكَ.

اللهم أعز الإسلام وانصر المسلمين، اللهم اجعل كلمتك هي العليا إلى يوم الدين.

اللهم أحفظ بلادنا البحرين وبلاد الحرمين الشريفين، وخليجنا، واجعله آمناً مطمئناً سخاء رخاء وسائر بلاد المسلمين. اللهم وفق ولاة أمورنا لما تحب وترضى، وفق ملكنا حمد بن عيسى وولي عهده رئيس وزرائه سلمان بن حمد، اللهم أعنهم على أمور دينهم ودنياهم.  وهيئ لهم من أمرهم رشداً، وأصلح بطانتهم ومستشاريهم ووفقهم للعمل الرشيد، والقول السديد، ولما فيه خير البلاد والعباد إنك على كل شيء قدير.

اللهم ارفعْ وأدفع عنَّا البَلاءَ والوَباءَ والغلا والرِّبا والزِّنا والفواحشَ والزَّلازلَ والمِحَنَ والفتنَ وسَيءَ الأسقَامِ والأمراضِ عن بلدِنا البَحرينِ خاصةً، وعن سَائرِ بلادِ المسلمينَ عامةً يا ربَّ العالمينَ.

اللهم كن لإخواننا المستضعفين المظلومين في كل مكان ناصراً ومؤيداً يا سميع الدعاء.

اللهم أحفظ المسجد الأقصى، وفك الحصار عنه، واجعله شامخاً عزيزاً عامراً بالطاعة والعبادة إلى يوم الدين.

اللهم فرج الهم عن المهمومين، ونفس الكرب عن المكروبين، واقض الدين عن المدينين، وارحم موتانا وموتى المسلمين برحمتك يا أرحم الراحمين.

الْلَّهُمَّ صَلِّ وَسَلَّمَ عَلَىَ سَيِّدِنَا وَنَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَىَ آَلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِيْنَ.

سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.

 

       خطبة جامع الفاتح الإسلامي – عدنان بن عبد الله القطان – مملكة البحرين